“عَسْب العيد” .. عادة اجتماعية تعزز صلة الرحم وتثقل كاهل العيد

تُعدّ عادة “عَسْب العيد” واحدة من أبرز التقاليد الاجتماعية التي يتمسك بها اليمنيون خلال أيام عيد الفطر وعيد الأضحى، حيث يقوم الأقارب، خصوصًا المتزوجون والمغتربون، بدفع مبالغ مالية رمزية أو كبيرة لأرحامهم وأقاربهم، تعبيرًا عن الود والتكافل الأسري، ومظهرًا من مظاهر العطاء والفرحة بالعيد.
عَسْب العيد.. طقس شعبي لا يُنسى
في معظم المناطق اليمنية، يُعرف “العَسْب” بأنه مبلغ مالي يُقدّمه الرجل لأخواته، وأخواله، وأعمامه، وأحيانًا لأصهاره وأبناء العمومة خلال زيارة العيد. ويأخذ أحيانًا شكلًا إلزاميًا غير مكتوب، نابعًا من العُرف والعادة أكثر من الواجب الديني، لكنه يبقى في الذاكرة كعلامة احترام وتقدير.
يقول “علي القباطي”، وهو موظف حكومي من صنعاء:
“العَسْب عادة لا يمكننا التخلي عنها، حتى لو كنا في ضائقة مادية. الناس يعتبرونه جزءًا من واجب العيد، وأي تقصير فيه قد يُفهم كجفاء أو تجاهل.”
فرحة للعائلة.. وعبء على كثيرين
ورغم الطابع الإنساني والاجتماعي الذي تحمله هذه العادة، إلا أن “عَسْب العيد” بات في السنوات الأخيرة عبئًا ماليًا كبيرًا على كثير من العائلات، خصوصًا في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة، وانخفاض الدخل، وارتفاع تكاليف المعيشة.
يضيف “سالم – تاجر من تعز”:
“أجد نفسي مضطرًا لدفع عَسْب لكل من أزوره، حتى لو كان دخلي بالكاد يكفي العائلة. الناس تعتبر ذلك معيارًا للكرم، لكنه في الحقيقة أصبح ضغطًا لا يُطاق.”
تنوع حسب المناطق والمستوى المعيشي
ويختلف مقدار العَسْب من منطقة إلى أخرى، ومن عائلة إلى أخرى، ويتراوح بين مبالغ رمزية بسيطة (1000 – 5000 ريال)، وقد تصل أحيانًا إلى عشرات الآلاف من الريالات في بعض المناطق الريفية أو العائلات الثرية.
وفي بعض البيوت، يتحول العيد إلى “سباق عَسْب”، حيث يُنتظر الضيف لا بالكلمة الطيبة فقط، بل بالمغلف النقدي الذي يحمله معه، مما حوّل هذه العادة إلى أداة ضغط اجتماعي على كثير من الرجال، خصوصًا الشباب المتزوجين حديثًا أو العاطلين عن العمل.
بين الأصالة والواقعية
ويرى مختصون اجتماعيون أن “عَسْب العيد” يمثل صلة رحم وتعزيزًا للروابط الأسرية إذا ما بقي في نطاقه الرمزي والمعقول، أما إذا تحوّل إلى واجب مالي ثقيل أو أداة للمقارنة والتفاخر، فإنه يفقد قيمته ويُحوّل المناسبة الدينية إلى عبء موسمي.
ختامًا، تبقى عادة “عَسْب العيد” جزءًا أصيلًا من الثقافة اليمنية، تحتاج إلى توازن بين النية الطيبة والتكافل الاجتماعي من جهة، والواقع الاقتصادي وضغوط الحياة من جهة أخرى، حتى لا تتحوّل من عادة محمودة إلى عبء يُفسد بهجة العيد.