تكاليف الحج .. رافد اقتصادي يعزز الدخل السعودي

في كل عام، ومع تدفق ملايين الحجاج من شتى بقاع الأرض إلى الأراضي المقدسة، تتحول المملكة العربية السعودية إلى محور اقتصادي نابض بالحياة، حيث تلعب التكاليف المرتبطة بموسم الحج دورًا كبيرًا في دعم الاقتصاد المحلي، من خلال إنعاش قطاعات رئيسية مثل السياحة، والنقل، والخدمات، والتجزئة.
وبحسب خبراء اقتصاديين، فإن موسم الحج لم يعد مجرد مناسبة دينية فحسب، بل يمثل “موسمًا اقتصاديًا ذهبيًا” تعوّل عليه المملكة في تحفيز النمو وتحقيق عوائد مالية ضخمة. وتشير التقديرات إلى أن إنفاق الحجاج يُدر على المملكة أكثر من 12 مليار دولار سنويًا، تشمل خدمات السكن والنقل والغذاء والمنتجات المحلية.
وتشهد مكة المكرمة والمدينة المنورة، خلال الموسم، ارتفاعًا حادًا في أسعار الفنادق والشقق المفروشة، حيث تكتظ المدينة بالزوار، ما يعزز من دخل قطاع الضيافة. كما تستفيد خطوط الطيران وشركات النقل البري من الطلب المتزايد، إذ يتم تسيير آلاف الرحلات لنقل الحجاج من وإلى مختلف المواقع الدينية.
القطاع التجاري هو الآخر يعيش ذروته خلال الحج، حيث تتضاعف حركة البيع في الأسواق التقليدية والمولات الحديثة. وتقول إحدى التاجرات في سوق العزيزية بمكة: “خلال موسم الحج، نبيع في أسبوع ما نبيعه في شهر كامل خلال بقية العام”.
كما تسهم رسوم تأشيرات الحج والخدمات الحكومية في تعزيز خزينة الدولة، إلى جانب العوائد غير المباشرة التي تنجم عن تنشيط الدورة الاقتصادية. وتشير بيانات رسمية إلى توظيف آلاف المواطنين والمقيمين في وظائف مؤقتة تتعلق بالإرشاد والتنظيم والرعاية الصحية، ما يفتح الباب أمام تحسين الدخل الفردي، خاصة بين الشباب.
ومع سعي السعودية إلى تحقيق أهداف رؤية 2030، باتت تنظر إلى الحج كفرصة لتعزيز مكانتها كمركز عالمي للسياحة الدينية، من خلال تحسين الخدمات وتوسيع القدرات الاستيعابية للمشاعر المقدسة. وفي هذا الإطار، تم ضخ استثمارات ضخمة في تطوير البنية التحتية، مثل مشروع قطار الحرمين، والمنشآت الصحية الحديثة، ومراكز التحكم الذكية.
لكنّ موسم الحج لا يخلو من التحديات، بحسب مختصين، أهمها الضغط على الموارد، والتكاليف البيئية، والحاجة لتنظيم التدفقات البشرية بدقة عالية. غير أن هذه التحديات، كما يرون، يمكن أن تتحول إلى فرص، عبر الاستثمار في التقنيات الحديثة، مثل الذكاء الاصطناعي والروبوتات الخدمية، لتحسين الكفاءة التشغيلية.
ويظل الحج، في نهاية المطاف، نموذجًا فريدًا يجمع بين قداسة العبادة وقوة الاقتصاد، حيث يعكس قدرة المملكة على إدارة حدث ديني ضخم، وتحويله إلى محفز اقتصادي مستدام يسهم في تنويع مصادر الدخل بعيدًا عن النفط.